موسم الأمطار- هشاشة البنية التحتية، تدمير البيئة، وسيول الفساد

المؤلف: خلف الحربي08.14.2025
موسم الأمطار- هشاشة البنية التحتية، تدمير البيئة، وسيول الفساد

مع انطلاق موسم الأمطار المبارك، الذي يغسل القلوب ويُبهج النفوس، سرعان ما تعود الذكريات والسيناريوهات المتكررة التي اعتدنا عليها في كل عام. نشاهد مباني شاهقة، اُنفقت عليها الملايين، تغرق في كميات يسيرة من المياه، ونشهد مغامرات غير مسؤولة لشباب يغامرون بأرواحهم وسط السيول العاتية بسياراتهم المتهورة. ويا للأسف، تتكرر هذه المشاهد المحزنة كل سنة دون تغيير يُذكر. بالتزامن مع ذلك، تبدأ الرحلات البرية الشبابية والعائلية المبهجة في أحضان الطبيعة الخلابة، فالبراري لا تزال المتنفس الترفيهي الشعبي الأكبر والأكثر جاذبية للجميع. وهنا، لا بد أن نعود للحديث عن الأهمية القصوى للحفاظ على البيئة الغالية وعدم الإساءة لجمال الصحراء الساحر بمخلفات رحلات عابرة لا تتعدى بضع ساعات، بينما يستمر أثرها السلبي لعقود مديدة. هذه الصحراء هي التي استقبلت أجدادنا الكرام، وهي التي سيرثها أبناؤنا الأعزاء من بعدنا، وهي أمانة عظيمة في أعناقنا جميعًا. في الحقيقة، يصعب عليّ فهم كيف يمكننا أن نتباهى بحب الوطن والانتماء إليه، ونحن نتجاهل أبسط واجباتنا تجاهه وحيال حياتنا، وندمر البيئة الثمينة بكل استهتار وعدم مبالاة. ما أجمل أن نلتزم بهذا الواجب المتواضع قبل أن نتناول قهوتنا الصباحية ثم نبدأ في الحديث عن كيفية إصلاح العالم من حولنا! في عصرنا الحديث، لم يعد من الممكن إخفاء أي شيء في ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة. لا شك أنكم اطلعتم على بعض المقاطع المصورة القادمة من دول خليجية مجاورة، والتي تكشف عن ضعف البنية التحتية الهشة في مواجهة الأمطار الغزيرة. قد يتساءل البعض عن السبب وراء عدم وجود انتقادات لاذعة أو كشف للفساد مماثل لما نشهده دائمًا بعد كل موسم أمطار لدينا. من وجهة نظري الشخصية، أرى أن هذا السؤال غير مجدٍ على الإطلاق، لأنه عندما نمتلك القدرة الكافية على النقد البناء، فإننا نكون قادرين على تصحيح أخطائنا وتقويم اعوجاجنا. أما أولئك الذين يخبئون مشكلاتهم تحت ستار من الزخرفة والزينة طوال الوقت، فسوف يأتي اليوم الذي تهب فيه العواصف وتكشف الغطاء عن جبال المشكلات التي يستحيل إزاحتها من الطريق. تمضي السنوات بكل ما تحمله من لحظات حلوة ومواقف مريرة، وبين الفينة والأخرى نتذكر فاجعة سيول جدة المروعة التي وضعتنا في مواجهة مباشرة مع طوفان الفساد المستشري. ثم نعود لنتذكر تلك المحاكمات الطويلة التي لم تُبرد حرقة القلوب، ولم تحدث تغييرًا ملموسًا على أرض الواقع، فندرك حينها أن الغرق في بحر من الكلمات الجوفاء الطنانة الخالية من الأفعال أشد خطرًا وفتكًا من الغرق في مياه الأمطار!.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة